الاثنين، 25 أبريل 2011

الملهَمون يستلهِمون

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")










"الدولة القائمة على الظلم، لا تستمر أبداً"
سنكا فيلسوف روماني





محمد كركوتــي

بعد الانهيار العجيب لأنظمة الحكم في الكتلة الشيوعية السابقة في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وبعد أن استُكمل انهيار الاتحاد السوفييتي في الفترة نفسها، بصورة مدهشة أذهلت الغرب قبل الشرق، وجه سؤال إلى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، جاء على الشكل التالي: لماذا لا تقومون بإصلاحات سياسية في سوريا، تحصن نظامكم مما آلت إليه الأحوال في الكتلة الحديدية؟ ماذا قال الأسد الأب؟ "إننا لسنا بحاجة إلى إصلاحات، نحن نمارس الديمقراطية منذ سنوات، عن طريق وجود أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ضمن مجلس الشعب. وكان على هذه الكتلة أن تتعلم من تجربتنا الديمقراطية هذه لتنجو"! نجا نظام الأب عشرون عاماً، منذ ذلك التاريخ، ونجا نظام الابن (بشار) عشر سنوات أخرى، حتى الآن. ولكن هل كان السبب هو ممارسة الديمقراطية التي لم تطبقها الكتلة الشيوعية، أم هناك شيء آخر؟ وهل تمكن الأب من رصف أرضية صلبة للابن لمواصلة المسيرة، أم أنها أرضية رصفت لمرة واحدة وغير قابلة للصيانة؟

معظم الأنظمة السياسية في العالم، تقوم على استلهام تجارب الآخرين، سواء تلك التاريخية أو المعاصرة. وحسبي أن الوحيد الذي لم يستلهم أي تجربة هو سفاح ليبيا معمر القذافي. فهذا الأخير أراد أن يكون ملهِماً بنظرية لا تنفع في الطرح، إلا في برامج القنوات الفضائية الكوميدية، وفي العروض الساخرة، إلى درجة أن أُطلقت مواقع على الإنترنت، وصفحات التواصل الاجتماعي، عينت القذافي إمبراطور "كوكب الفكاهة". الأسد الأب، استلهم واحدة من أسوأ التجارب في التاريخ البشري، وطبقها بحذافيرها في سوريا، ووضع لها الآليات للاستمرار حتى بعد غيابه عن الساحة. كان يريد أن يستمر إلى الأبد، ليس وفق مبادئ وأفكار ورؤى متجددة، بل من خلال هذه الآليات المريعة، التي لم تنفع وريثه، الذي وجد نفسه فجأة رئيساً لدولة مركزية في المنطقة، بعد أن  تمت في ما يسمى بمجلس الشعب، عملية تصغير "البدلة" بسرعة (وعلى الهواء مباشرة) على مقاسه.

لم يكن الأسد الأب بحاجة إلا إلى زيارة "تاريخية" واحدة لكوريا الشمالية، لكي يعود إلى بلاده، حاملاً معه على طائرته مجموعة من الخبراء الكوريين، لتنفيذ واحد من أعنف وأقسى البرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ماذا فعل؟ ألغى مؤسسات المجتمع المدني التي كانت تترنح أصلاً في ظل سياسته، وعسكر المجتمع، وأطلق شعار القائد الملهَم. أقفل البلاد على كل شيء، تماماً مثل الملهِم الكوري الشمالي كيم إيل سونج. أصبح التاريخ هو والمستقبل أيضاً. وفر هذا له الغطاء لربط مصير البلاد كلها بمصيره، لا بمصير الأمة. وحسب اللوائح الكورية، نزع "ملكية" الأسرة لأفرادها، وأصبحوا (ولاسيما المواليد الجدد)، ملكية حصرية للنظام، إلى درجة بلغ ولاء الأطفال في سوريا (كما في كوريا) لهذا النظام، أكثر من ولائهم لأسرهم. وبعسكرة المجتمع التي تبدأ من الصفوف في المدارس الابتدائية، تحول أفراده إلى جنود موالين مؤمنين بأن الكون لا يستوي إلا بوجود القائد الملهَم، وأن شيئاً في هذه الدنيا لا يمر إلا عبره. وباستثناء الاحتجاجات ضد الأسد الأب التي اندلعت في مطلع الثمانينات، وقمعت بوحشية مطلقة، فإنه عاش بعيداً عن المنغصات. فقد سن قوانين مطلقة ومتطرفة وحديدية، إلى جانب التجييش المنظم للمجتمع، وفرت له ثلاثة عقود من الهدوء الصارم، تتخللها الهتافات التي لم تطلق إلا في سوريا وكوريا، وهي "قائدنا إلى الأبد". وربما من المفيد الإشارة هنا، إلى أن الكوريين لايزالون حتى بعد وفاة سونج منذ 15 سنة، يحتفلون سنوياً بعيد ميلاده.

ولأن أحداً في هذه الدنيا لا يبقى إلى الأبد، فقد مات الأسد الأب، ليأتي الأسد الابن هابطاً من لندن إلى قصر الرئاسة مباشرة، مرفعاً من رتبة عقيد إلى فريق في ثوان معدودة، بعد أن قام أحد "خياطي" القوانين، بتعديل البدلة (الدستور) بالصورة التي يعرفها الجميع. أتى الابن بذهنية المُجدد لا الإصلاحي، وهناك فرق كبير بين التوصيفين. بمعنى أنه لا داعي لتغيير السيارة المتهالكة، ادهنها فقط! أو ليس مهماً أن تحلق الطائرة في الجو، إذا كانت تسير فقط في أرض المطار! وجد الأسد الابن، أن التجربة الكورية لا تواءم الأوقات المتغيرة، خصوصاً بعد انفراط عقد الكتلة الشيوعية الحديدية، وبعد أن تغير المزاج السياسي الدولي العام. لم يتحول إلى التجربة السنغافورية أو الإندونيسية أو الهندية. ربما لأنه يعلم (وغالباً لا يعلم)، بأن استلهام واحدة من هذه التجارب، لا يتم عبر نظام جمهوري مورث، هو الأول من نوعه في تاريخ العرب، والثاني في تاريخ العالم ( بعد الكوري الشمالي). ماذا فعل؟ راقب التجربة التونسية التي ابتكرها زين العابدين بن علي. وقد اعترف هو شخصياً بذلك، في خطابه الأول بعد المظاهرات العارمة التي عمت (ولاتزال) سوريا ضد نظامه. راقب واحدة من أبشع التجارب القائمة على الظلم وعدم تكافؤ الفرص والفساد والاستبداد. لكن الأسد الابن، اعترف بأنه بعد مراقبته لهذه التجربة على مدى عشر سنوات، قرر صرف النظر عن استلهامها. ولا شك في أنه قام بذلك، لأنها أدت إلى نهاية مهينة لصاحبها، حيث أثبتت التحقيقات التونسية، بأنه تورط بكل شيء حتى بالمخدرات.

راقب الأسد الابن التجربة التونسية وفي مقدمتها الجانب الاقتصادي، على مدى عقد من الزمن، ليكتشف أنها لا تصلح! وخلال هذه السنوات، أبقى على كل الآليات القمعية التي وضعها والده، دون أن يتباهى بأن سوريا تمارس واحدة من أفضل الأساليب الديمقراطية في العالم. مُنح ما يعتبره المراقب المحايد، ما يكفي من الفرص للتقدم خطوة إلى الأمام باتجاه الإصلاح. ولكن لأنه مجدد نظري (ولم يعد الآن بعد الثورة ضده) وليس إصلاحياً، رمى بهذه الفرص عرض الحائط. حاول أن "يتجدد" عن طريق الاقتصاد (بدلاً من السياسة والحقوق العامة)، فقام بمثل ما فعله والده، مع فارق واحد. الأسد الأب أغلق البلاد وقذف بالمفتاح عرض البحر، وفعل الأسد الابن نفس الشيء، لكنه وزع مفاتيح قليلة جداً لعدد من الأشخاص الجشعين جداً، من الدائرة الضيقة جداً جداً. وشارك قسراً الرأسمالية الوطنية، التي ارتضت بما يوفرها لها من مكاسب بسيطة، لأن البديل هو اقصاؤها تماماً عن الساحة الاقتصادية. وتكفي الإشارة، إلى أن شخصاً واحداً من عائلته، يسيطر على 60 في المائة من الاقتصاد السوري! بالطبع كان لهذا النوع من الاقتصاد تبعات مريعة، في مقدمتها، وصول نسبة البطالة إلى 25 في المائة، بينما وصلت نسبتها في أوساط الشباب ما دون الثلاثين من أعمارهم إلى 49 في المائة، وبلغت نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر في الحد الأدنى 12,5 في المائة، في حين بلغت في حدها الأقصى 30 في المائة!

في عهد الأسد الأب كان الفساد فردياً، محدوداً في زمرة من الأقرباء والمقربين، وفي عهد الأسد الابن، تمأسس الفساد، وصار قطاعاً من القطاعات في البلاد. صار في صلب الاقتصاد، تماماً كما صارت عسكرة المجتمع على مدى 41 عاماً من حكم الأب والابن (وأرجو أن لا يكون هناك روح قدس) سلاحاً لمقاومة وجدان هذا المجتمع.

الاثنين، 18 أبريل 2011

مسيلمة الثائرين

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")










"أنقِذ السارق من حبل المشنقة، فسوف يجز رقبتك لاحقاً"
مثَل فرنسي

 
 
 
محمد كركوتــي
 
استكمالاً لمقالي السابق حول سفاح ليبيا معمر القذافي، الذي نُشر بعنوان "إمبراطور الاستثمار في الإرهاب"، وانطلاقاً من سهولة العثور على ألقاب جديدة ومتجددة له، سواء من تلك التي يُحبها، ولا تنطبق عليه، أو تلك التي يكرهها، وهي مفصلة على مقاسه بصورة طبيعية، أمنح القذافي لقب "مسيلمة الثائرين"، أو "مسيلمة الأموال المنهوبة". وفي النهاية يمكن أن يفوز بجدارة باللقب الشامل، وهو "مسيلمة كل شيء". وإذا كان هناك "مسيلمات" في هذا العالم، فهو بلا شك يحتل المراكز العشرة الأولى على الأقل. أي أن مسيلمة الثاني، هو في الواقع مسيلمة الحادي عشر. وكلنا تابعناه في خطاباته الترفيهية- البائسة، عندما قال وهو في خضم صدمته من ثورة شعبه: "يقولون هناك مظاهرات في ليبيا، ولا توجد مظاهرات. ويقولون هناك قتلى، ولا يوجد قتلى. ويقولون إننا استخدمنا الأسلحة ضد الليبيين، ولم نستخدم أي أسلحة". وليس مستبعداً أو مستغرباً، أنه فكَر في الإعلان عن أن المظاهرات والاحتجاجات التي عمت ليبيا، ليست سوى فعاليات شعبية على هامش مهرجان شم النسيم! وسيجد ما يكفي من المرتزقة، ليقسموا بالله، بأنهم تناولوا "الفسيخ" في حدائق وساحات مدينة مصراتة الصامدة، وأنهم بعد ذلك، دخنوا الشيشة في قلب مدينة البريقة المناضلة، وأنهم تركوا أبنائهم يسبحون على شواطئ راس لانوف الحرة، وأن بناتهم قضين أوقاتهن يطاردن الفراشات على أبواب أجدابيا الأبية!

ماذا يقول مسيلمة المعاصر أيضاً: "أنا ما عندي فلوس. أنا عايش على اللجان الشعبية. أنا بلا وظيفة. أنا غلبان"! ولو استمر في الكلام، لقال: لقد شكلت جمعية مع زملائي الثوريين، لمواجهة شظف العيش، يقبضها واحد منا كل شهر. وهذا صحيح، ولكن مع فارق بسيط، هو أن هذه الجمعية، ليست شهرية بل أبدية، وأموالها ليست ملك أفراد، بل ملك أمة بأكملها، وأعضائها ليسوا بالملايين، بل بالعشرات فقط، غالبيتهم من أسرة مسيلمة، وبقيتهم من الأسرة الثورية. وهذه الجمعية، هي أول "جماهيرية" خاصة! ولو لم يكن مسيلمة يملك البلاد بأكملها، لسجلها في غرفة التجارة، كشركة ذات مسؤولية محدودة، بمجلس إدارة مكون من أعضائها فقط!

لم تكن إشارة الرئيس السوري بشار الأسد في "مجلس الشعب" في سياق مهاجمته للفضائيات، إلى مبدأ "اكذب.. اكذب حتى يصدقون"، موفقة. وبالمناسبة هذه الإشارة منتحلة من المقولة الشهيرة لوزير الدعاية النازية غوبلز. لكنها تنطبق على مسيلمة الثائرين، مع ضرورة تغيير "حتى يصدقون" بـ "حتى أُصدق". ومع ذلك، تبرز هنا مشكلة حقيقية، هي أن القذافي نفسه لا يصدق ما يقوله، لأنه أول العارفين بحقيقة الكذب ونوعيته، مع الإشارة إلى أنه كان آخر العارفين بالثورة الصادقة ضده. ولذلك، فقد كذب.. كذب حتى فشل في العثور عمن يصدقه، ونهب.. نهب حتى عجز عن حصر الأموال المنهوبة. قبل أن أتناول الحديث، عن "الثورات" بين أبنائه من أجل اقتناص أكبر كمية من ثروات الشعب الليبي، أحسب أنه من المهم، إعادة التذكير بالأموال التي نهبها القذافي، طبقاً للمصادر الرصينة، والتي تصل في حدها الأدنى إلى أكثر من 200 مليار دولار أميركي (لا زيمبابوي)، موزعة على الشكل التالي: 130 مليار له ولأبنائه وزوجته المفضلة، و70 مليار لزملائه "الثوريين"! ومن المهم الإشارة هنا، إلى أن هذه التقديرات، تعود إلى تسعينات القرن الماضي. وبدد مسيلمة أكثر من 350 مليار دولار، هي عبارة عن استثمارات في الإرهاب بكل أنواعه وأشكاله، بما في ذلك، الاغتيالات، والانقلابات، وتدريب قطاع الطرق، ودعم المرتزقة من أولئك الذين يأكلون لحوم البشر، وتسليح قبائل يرتدي أفرادها ريش الطيور وأوراق الأشجار، لا الأقمشة.

يقول الأديب الكوبي خوسيه مارتي: "الرجل الأناني هو لص". ويقول معه الأديب والشاعر الايرلندي أوسكار وايلد :"إنه دائماً متأخر تجاه المبادئ. لأن مبادئه متناغمة مع النهب وسرقة الوقت". وعندما يقول مسيلمة "إنني لا أملك فلوس"، فهو لا يكذب فقط، بل يغطي أيضاً على ثورات حقيقية، قام بها أفراد أسرته الصغيرة المؤلفة من تسعة أشخاص، ضد بعضهم البعض. لماذا؟ للحصول على المزيد من الأموال المنهوبة. والحقيقة أن هذا سلوك أحدثته عصابات المافيا، ودرجت على اتباعه في كل جريمة ارتكبتها، من عمليات السرقة وتجارة المخدرات والقتل والخطف وتبييض الأموال وفرض "الإتوات". وقد خاض أبناء وبنت القذافي، ضد بعضهم البعض، ثورات "الكوكاكولا" والاتصالات والنفط والتوكيلات والفنادق والمنتجعات السياحية، إلى درجة حملوا السلاح ضد بعضهم البعض. وعلى مبدأ قطاع الطرق، وصلوا في ثوراتهم هذه، إلى نصب الكمائن لبعضهم. وفي إحدى المرات، حاول المعتصم قتل أخيه غير الشقيق محمد، من أجل صفقة تجارية، أرضاه والده على أثرها، بتخصيص ميزانية بمليارات الدولارات، ليشكل كتائب خاصة له، وكذلك الأمر مع المضطرب عقلياً وسلوكياً الساعدي. وكان القذافي، قد خصص لكل واحد من أبنائه بالتساوي خمسة مليارات دولار. ومع ذلك، فقد كان كل واحد منهم، يصبوا إلى أموال شقيقه المنهوبة أصلاً. وإذا كان هؤلاء لا يتورعون في ارتكاب جرائم ضد بعضهم البعض، ويسعون لسرقة المال المسروق، فهل هناك قوة في هذا العالم، يمكن أن توقفهم عن سرقة مقدرات الشعب الليبي؟! هناك قوة واحدة فقط، يمكن أن تحد من جشعهم وجرائهم وسرقاتهم، هي الأخلاق. ولكن من يملكها منهم؟

في إحدى وثائق "ويكيليكس" التي نشرتها جريدة "الفايننشال تايمز" البريطانية الرصينة، قال كاتبها الأميركي :"إن سيطرة عائلة القذافي على اقتصاد ليبيا متجذرة، إلى حد أن أفرادها يحاربون بعضهم بعضاً في تنافسهم لاغتنام هذه الفرص المربحة"، وتتابع :"القذافي أقام إمبراطورية مالية ضخمة، هي مصدر خلافات جدية بين أبنائه". وفي وثيقة أخرى، جاء "أن أولاد العقيد التسعة وزوجته، يسيطرون على أغلبية قطاعات الاقتصاد الليبي، وبشكل خاص النفط الذي يشكل الثروة الحقيقية للبلاد. وليس من الصدف استيلاء سيف الإسلام القذافي على حصة من الثروة النفطية الليبية عبر الشركة الوطنية العامة التي تدير هذا القطاع الحيوي". وطبقاً لجريدة "الجارديان" البريطانية الرصينة فإن "هناك فجوة بالغة من مليارات الدولارات تظهر سنويًا بين عائدات النفط والغاز الليبي وبين الإنفاق الحكومي". ولا شك في أن هذا الخلل المريع والواضح بين حجم العائدات النفطية، وحجم الإنفاق العام، هو المصدر الرئيسي لثروة مسيلمة وعائلته و"الثوار". ولا يوجد، من يستطيع تحديد الأموال المنهوبة، وتلك التي أُنفقت في ليبيا، وذلك لاستحالة فصل ثروة مسيلمة واستثمارات الحكومة، التي هي في الواقع استثمارات عائلية.

بلغ حجم الأموال التي جنتها ليبيا من عائدات النفط، منذ العام 1969 قرابة الـ 3000 مليار دولار أميركي. واستناداً إلى المحامي الليبي الهادي شلوف، عضو محكمة الجنايات الدولية بلاهاي، فإن نصف هذه الأموال ذهب إلى خزينة القذافي وأبنائه". أي ما يتم تداوله من حجم الأموال المنهوبة، يصل إلى الثلث فقط. ماذا فعل مسيلمة أيضاً؟ أنشأ حساباً أطلق عليه اسم "الحساب المجنب"، أي الحساب الذي توضع فيه عائدات النفط والغاز جانباً. وماذا أيضاً، لا يُنفَق دولار واحد، من دون موافقة خازن المال المنهوب!

في اليابان مَثَل يقول: "حتى السارق يحتاج إلى عشر سنوات، لكي يتعلم التجارة". وللتذكير فقط، مسيلمة الثائرين "يملك" ليبيا منذ 42 عاماً.

الاثنين، 11 أبريل 2011

إمبراطور الاستثمار في الإرهاب

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")


"أولئك الذين يؤلهون أنفسهم، غالباً ما يرون الخراب أمام أعينهم، ولكنهم يدخلون فيه"
ليوبولد فون رانكي مؤرخ ألماني






محمد كركوتــي

في مقالي السابق الذي نُشر بعنوان "أموال ملك ملوك الثائرين"، حاولت حصر الأموال التي نهبها معمر القذافي وعائلتيه الصغيرة جداً والكبيرة قليلاً جداً، واستندت في ذلك، إلى التقديرات الرصينة، على اعتبار أن اللصوص لا يعلنون عن حجم سرقاتهم، بالإضافة طبعاً إلى ما أعلنته أربع حكومات غربية (ليس من بينها الإيطالية والفرنسية والسويسرية ولا أي حكومة عربية)، بأنها استطاعت أن تحدد وتجمد في غضون أيام قليلة فقط، أكثر من 50 مليار دولار أميركي من الأموال الليبية المنهوبة. وهذا لوحده، يدعم مصداقية التقديرات، بأن ما نُهب على أيدي القذافي ودائرته الضيقة، يصل في حده الأدنى إلى أكثر من 200 مليار دولار، موزعة على الشكل التالي: 130 مليار له ولأبنائه وزوجته المفضلة، و70 مليار لزملائه "الثوريين"! وعلى الرغم من أن القذافي لا تنقصه الألقاب، التي منحها لنفسه أو تلك التي اشتراها بمليارات الدولارات، مثل ملك ملوك أفريقيا، وأمين القومية، وإمام المسلمين، وعميد الحكام العرب، وأمير المفكرين، وقائد الثورة، وكبير الثائرين.. وغيرها. أجيز لنفسي أن أمنحه لقباً إضافياً هو "إمبراطور الاستثمار في الإرهاب". وأحسب – وهو من الهائمين بالألقاب- أنه سوف يُسعد بالكلمة الأولى فقط، لا بالتوصيف ككل. فلم يسبق له أن منح نفسه هذا اللقب، وأجزم بأنه لو استطاع أن ينجو من ثورة شعبه –ولن ينجو- لن يتردد في إطلاق اللقب على نفسه. ففي مقال سابق لي، قلت: إن القذافي يأسف بلا شك، من أن زمن الأنبياء والرسل قد انتهى قبل أكثر من 14 قرناً من الزمن.

يقول المؤلف البريطاني-الأميركي كريستوفر هيتشينز:"إن الإرهاب، هو تكتيك يسعى إلى المستحيل، ويطالب به تحت تهديد السلاح". وهذا بالضبط ما قام (ويقوم) به القذافي منذ أكثر من أربعة عقود. فقد مارس (ويمارس) الإرهاب العسكري، وإرهاب العصابات على مبدأ "قطاع الطرق"، تماماً مثلما يمارس عملية التنفس البشري. وكما مأسس الفساد والقمع، مأسس أيضا الإرهاب بكل أشكاله، بما في ذلك، شن الحروب عديمة الجدوى والهدف، واغتيال قادة وسياسيين أجانب، وتنظيم العمليات الانقلابية الخارجية، وتسليح عصابات تأكل اللحم البشري كما تأكل لحوم الخرفان، ونشر الفتن في كل الأرجاء، وازدراء الإنسانية بأقبح الصور. هذا طبعاً بالإضافة إلى الفظاعات التي نالها الشعب الليبي (ولايزال) منه.

وكما هو الحال مع الأموال المنهوبة، التي تُقدر حسب المعطيات الاحتمالية، واستناداً إلى ما تم ضبطه منها حتى الآن، فإن الأموال التي "استثمرها" القذافي في "قطاع الإرهاب"، لا تقل عن 350 مليار دولار. ولكي لا نلتزم جانب المبالغة، أرى من المفيد الإشارة إلى ما قاله الرائد عبد السلام جلود، (الرجل الثاني في ليبيا، عندما كان أولاد القذافي مجرد أطفال، ولا نعرف رقمه الآن) في الذكرى العشرين لاستيلاء القذافي وأعوانه على الحكم. ماذا قال؟ :"إننا أنفقنا ما نسبته 22 في المائة من عائدات النفط الليبية (أي نحو 44 مليار دولار آنذاك) على تمويل ودعم ومساندة حركة الثورة العالمية وحركات التحرر". وبالطبع لم يكن هذا التوصيف حقيقياً، فالغالبية العظمى من "حركات التحرر" هذه، ليست سوى حركات لعصابات تسعى إلى الاستيلاء على الحكم، من أجل الخراب. وتقول مجلة " فورين ريبورت" الأميركية الرصينة :" إن العلاقات التي تربط القذافي ببعض من أكثر الأنظمة القمعية في العالم والحركات المسلحة، قد بدأت في ثمانينات القرن الماضي، عندما كان يُنظَر إليه على أنه واحد من أبرز التهديدات الإرهابية في العالم. وعبر استعانته بأموال وعائدات النفط، قام القذافي بتنظيم حملات تدريبية لأولئك الأشخاص الذين أصبحوا فيما بعد أكثر أمراء الحرب وحشية في كثير من دول إفريقيا، وهو الإرث الذي ترك المنطقة مصابة بالشلل وفي حالة من عدم الاستقرار اليوم". وفي كتابه الذي صدر في العام 2001 بعنوان "قناع الفوضوية"، يقول المؤلف ستيفن إليس:"إن المركز الثوري العالمي الخاص بالقذافي بالقرب من بنغازي، قد أضحى بمثابة (جامعتي هارفارد وييل لجيل كامل من الثوار الأفارقة)، أكثرهم من أعتى طغاة القارة".

غالبية القادة الاستبداديين الدمويين الأفارقة الذين حكموا (أو أولئك الذين يحكمون الآن) بلدانهم بأقصى أنواع الوحشية، إما كانوا من خريجي "مركز القذافي"، أو من المتأثرين بهم، بما في ذلك، بليز كومباوري رئيس بوركينا فاسو، وإدريس ديبي رئيس تشاد، والقاتل الذي فاز في اليانصيب الوطني في بلاده زيمبابوي روبرت موغابي! ولوران كابيلا رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطي، ورئيس ليبيريا تشارلز تيلور الذي يحاكَم الآن في المحكمة الدولية على جرائمه الفظيعة ضد شعبه، بالإضافة طبعاً إلى قادة العصابات في النيجر ومالي وموريتانيا. لا توجد دولة، حكمها خريج من "مركز القذافي" في أفريقيا، إلا وتعيش أو عاشت الخراب والويلات والفظائع. إن هذه "الجامعة"، خرَجت صناع الهموم والمصائب والقتلة والسارقين. خرَجت ناشري وموزعي الأنين المتواصل. خرَجت أولئك الذين حولوا الظلم إلى مؤسسات، والسرقة إلى قطاعات، والقتل إلى سلوك يومي.

أنفق "ملك ملوك الثائرين"، على مدى 40 سنة، قرابة 350 مليار دولار أميركي، على تنظيم المؤامرات الإرهابية، وتخريج القادة الدمويين، وعلى تنفيذ مخططات تآمرية وعدوانية –مفهومة الأهداف- ضد جيرانه ومن بينهم العرب أنفسهم. وبحساب بسيط، بدد "إمام المسلمين" ما يقرب من 9 مليارات دولار سنوياً على هذه المؤامرات. وبلغ عدد عمليات التخريب الخارجية في أربعين دولة عربية وإفريقية وآسيوية وأوروبية على الأقل، بما في ذلك محاولات قلب أنظمة الحكم، والاغتيالات الفردية 127 عملية. من بينها محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت الملك عبد الله بن عبد العزيز. ويقول معارضو القذافي أن هذا العدد في حدوده الدنيا. لن نتحدث هنا، عن صفقات السلاح الذي كدسه "ملك ملوك أفريقيا"، والذي استحوذ على 40 في المائة من عائدات النفط الليبي. وقد قام "عميد الحكام العرب"، بتجنيد وتدريب وتجهيز وتمويل ما بين 15 و20 ألف من المرتزقة من كل الجنسيات، بما في ذلك العربية، وأقام لهم أكثر من 30 معسكراً في كل أنحاء ليبيا. ودعم "أمين القومية"، مالياً ولوجستياً أكثر من 30 منظمة وحركة وعصابة إرهابية على مستوى العالم، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ماذا فعل أيضاً؟ أنفق "أمير المفكرين" أكثر من 200 مليون دولار، على ترجمة وطبع وتوزيع كتابه (الأخضر) المريع بكل اللغات، بما في ذلك لغات القبائل الأفريقية آكلة لحوم البشر (غير المكتوبة أصلاً، لا أعرف كيف!)، ولغة الإشارة! وأنفق "قائد الثورة" مليارات الدولارات على تطوير أسلحة نووية وبيولوجية وكيماوية، ورهن ثروة الشعب الليبي لسنوات طويلة، من أجل دفع تعويضات تاريخية غير مسبوقة الحجم في التاريخ، على عملياته الإرهابية والتخريبية.

وطبقاً لوثائق "ويكيليكس"، فإن "إمبراطور الاستثمار في الإرهاب"، يقفل حنفية النفط أو يفتحها حسب مزاجه، إما لمعاقبة من يزعجه أو لتغطية أية نفقات خاصة. ففي العام 2009، أمر بضخّ 100 ألف برميل إضافي من النفط، لتغطية كلفة احتفالات الذكرى الأربعين لاستيلائه على الحكم!

هذا هو الإمبراطور الذي وصف شعبه بالجرذان. إنه بلا شك كان يتحدث عنه نفسه.




الثلاثاء، 5 أبريل 2011

أموال ملك ملوك الثائرين

(المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")






"الإنسان الذي لا يملك شيئاً، يمكنه أن يُصفِر بقوة في وجه اللص"
جوفينال شاعر من العصر الروماني

 
 
 
 
محمد كركوتــي
 
لا أحد يعرف أين يختبئ ملك ملوك أفريقيا العقيد الليبي معمر القذافي، أو أين سيختفي إلى الأبد، ولكن هناك من يعرف أين يُخبئ "إمام المسلمين" المزور قسماً كبيراً من الأموال التي نهبها، على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن. وأحسب أن توني بلير المستشار الشخصي للقذافي، واحد من أولئك الذين يعرفون. أليس هو من أعاده إلى المجتمع الدولي، بحملة تسويق لم يشهد التاريخ السياسي، عناصر مشابهة لها؟! وكما للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي الذي يحب وصفه بـ "المكافح"، وزميله المصري حسني مبارك الذي يسعد بوصفه بـ "المحارب"، كذلك القذافي الذي يهيم بوصفه بـ "الثوري"، له عائلتان. صغيرة تستحوذ على كل مقدرات الشعب، وكبيرة تشارك في الاستحواذ، ويحظى كل فرد منها على نصيبه حسب مستوى ولائه لا كفاءته، وحسب حبه للقائد الأوحد لا إعجابه، وحسب سرعة تلوثه لا نظافته. والعائلة الكبيرة هذه لا تعد بالملايين، بل بالعشرات فقط، حصلوا على "مناصب" رجال أعمال ومستثمرين بالتعيين!

بعد أن استفاق القذافي جزئياً من صدمة الثورة الشعبية العارمة، ألقى خطاباً مُهيناً –كعادته- للشعب الليبي، ادعى فيه –كما يفعل دائماً- بأنه "ثائر لا يملك إلا بندقيته وخيمته"، وبالطبع تناسى أن يشير إلى أنه ملك ملوك أفريقيا، لأن هذا "المنصب" لا يستقيم مع ثائر ادعى بأن العالم كله يحبه، بل وادعى بأنه قائد لهذا العالم! والحقيقة أن القذافي لم يكن سوى مملوكاً للمال المنهوب، والممتلكات المسروقة. وهو يستحق بجدارة توصيف "ثائر من أجل المال"، لا من أجل الحق والحرية والكرامة. يستحق توصيف المناضل من أجل الثروة لا الثورة، من أجل الفساد لا النزاهة، من أجل كل ما هو شائن لا الكريم. لم يكن القذافي إلا طاغية من طراز فريد، عشق نفسه وكره شعبه. اشترى بالمال المسروق، المناصب البائسة من أفريقيا البائسة لإرضاء غروره البائس. رغب القذافي أن يشتري النبوة، ولكن من في هذا العالم يملك أن يمنحها له أو لغيره؟ ولذلك اكتفى بـ "منصب" وهمي هو إمامة المسلمين.

كبقية الطغاة الناهبين في هذا العالم، يصعب حصر الأموال التي سرقها معمر القذافي خلال فترة حكمه لبلاده. ليس هناك غير التقديرات التي تتسم بالرصانة في هذا المجال. فالسارق مثل القاتل، يجهد نفسه في إخفاء الضحية، وإن فشل في ذلك، يواصل جهده في إخفاء أدوات الجريمة. هكذا فعل بن علي وكذلك مبارك، وغيرهما من الطغاة الذين فروا بأموال هائلة، وتركوا شعوبهم وسط مصائب مريعة.

تصل التقديرات حول الأموال التي نهبها القذافي وعائلته الصغيرة إلى ما بين 80 و131 مليار دولار أميركي. وهو بذلك يحتل المركز الأول في قائمة الرؤساء الأكثر نهباً لشعوبهم على مستوى العالم. أما الأموال التي نهبتها عائلته الكبيرة فتتأرجح بين 60 و70 مليار دولار. وطبقاً لوثائق "ويكيليكس" التي أصبحت المصدر الأكثر دقة في عالم مليء بالأسرار المشينة، فإن عائلة ملك ملوك أفريقيا الصغيرة، "بنت مصالح تجارية واسعة في قطاعات مختلفة من النفط إلى الفنادق، خلال فترة حكمه التي تمتد زهاء 42 عاماً". والثروة الليبية المنهوبة موزعة في كل أنحاء الأرض، ولاسيما عند صديقه المتهاوي رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلسكوني، وفي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والنمسا. إنها على شكل أرصدة، واستثمارات في شركات بترول وقصور ويخوت وأندية أوروبية، وشركات المنتجات الغذائية والمشروبات. وإذا ما استندنا إلى الحد الأدنى من التقديرات، فإن القذافي كان ''عادلاً'' في توزيع الثروة على أبنائه. فقد منح خمسة مليارات دولار أميركي بالتساوي لكل واحد منهم. لم يظلم أحداً! وتقول صحيفة "التايمز" البريطانية الرصينة: "إن معمر القذافي هو المسيطر الأوحد على كافة قطاعات الاستثمار في ليبيا، وعلى رأسها النفط، وهذه الاستثمارات يمرر معظمها من خلال إيطاليا". وتصف إحدى الوثائق المسربة من وزارة الخارجية الأميركية النظام الليبي بأنه "عبارة عن فساد مستفحل، وشبكة للسرقة الحكومية لصالح أفراد أسرة القذافي و/أو حلفائهم المقربين الذين يسيطرون على كل ما يتعلق بالبيع والشراء والتملك في كل ما يخص البلاد". واستناداً إلى منشقين "تائبين" عن النظام الليبي (والأصح أن نقول لا نظام)، فإن أي حركة مالية لا تدب بها الحياة، إذا لم تكن ملكاً لـ "الثائر"، وفي أحسن الأحوال، دون موافقته المباشرة عليها.

وإذا كان مبارك –كما يقول مسؤول استخباراتي بريطاني- بقي 18 يوماً في السلطة بعد اندلاع الثورة في مصر، لإخفاء ما هو ظاهر من ثروته وثروة عائلته، فالقذافي يخفي الأموال المنهوبة، فور استكمال عملية السرقة، مع استمراره في حمل مفاتيح البنك المركزي الليبي، الذي يتعاطى معه كـ "حصالة". يسلب منها ما يريد، ويبدد ما يريد أيضاً وفق "استراتيجية ثورية" فظيعة. كان –ولايزال- يعتقد بأنه يملك ليبيا ومعها الليبيين، وبالتالي فهو يملك مقدراتهم وثرواتهم، ولا يحق لأحد أن يسأل، وإن وجد من يسأل بالفعل، فلا أحد يسأل عن مصيره فيما بعد.

بعد ثلاثة أيام فقط من فرض الحظر الدولي على القذافي وعائلتيه الصغيرة والكبيرة، بما في ذلك تجميد الأموال التي نهبها، تمكنت ثلاث دول هي بريطانيا والولايات المتحدة والنمسا، من حصر أموال وأصول له تصل قيمتها إلى 41 مليار دولار أميركي. وبعدها بأسبوعين فقط أعلن جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بأن السلطات الأميركية جمدت ثروة لـ "الثائر" في الولايات المتحدة تبلغ 31,5 مليار دولار. وتنقل وسائل إعلام نمساوية عن جهات مصرفية واستثمارية نمساوية، أن المبالغ المالية التي يملكها "الثائر" نفسه وعائلته وحلفاؤه بالنمسا، تقدر بنحو 30 مليار دولار. وإذا ما جمعنا هذه الأموال، فإنها تصل إلى أكثر من 100 مليار دولار! أي نصف ما هو متداول، بأن مجموع الأموال المنهوبة على أيدي أسرة القذافي وأركان نظامه، تصل إلى قرابة 200 مليار دولار. والحقيقة المريعة، أن ما تم حصره أو تجميده من هذه الأموال، لم يشمل بعد تلك المخزنة في إيطاليا وسويسرا وغيرهما من الدول، بالإضافة طبعاً إلى أشباه الدول. وعلينا أن نعرف، أن إيطاليا، هي أكثر الدول استقطاباً لأموال القذافي. فإذا كانت التقديرات تشير إلى أن حجم هذه الأموال في بلد كالنمسا، لا تربطه علاقات متميزة مع ليبيا بلغت 30 مليار دولار، يمكن أن نتخيل حجم هذه الأموال في إيطاليا. ففي السويد البلد التي لا تعتبر مقربة من نظام القذافي، استطاعت السلطات هناك، أن تجمد أموالاً وأصولاً له بلغت 1،6 مليار دولار!

تمكن القذافي من نهب بلد، يعيش فيها 1،5 مليون عاطل عن العمل، و30 في المائة من مجموع سكانها يعيشون تحت خط الفقر، و17 في المائة منهم أميون. كان ثورياً إلى حد الجنون، في النهب المنظم وغير المنظم. كان ملك ملوك الهموم التي صنعها لشعبه، كان "إماماً" لمجموعة من الأشخاص، أقسموا ألا يتركوا للشعب شيئاً. ألم يقل ذلك سيف الإسلام القذافي ولي عهد "الثائر"، عندما هدد كل الليبيين على الهواء مباشرة، بأنهم لن يصلوا حتى إلى الخبز، إذا ما استمرت ثورتهم؟!