الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

"شرفاء" زمن الازدهار.. لصوص زمن الكساد!

( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")






" المبدأ الأول عند اللصوص، أن الشيء مهما صغر.. قابل للسرقة "
جيمي بريسلين صحافي وكاتب أميركي



محمد كركوتــي

إنه سؤال من تلك الأسئلة، التي لا نستطيع تفاديها أو الالتفاف حولها، خصوصاً عندما تكون القضايا التي تخصها، من البديهيات التي لا تحتاج إلى عباقرة لمواجهتها. وقبل السؤال، أطرح القضية. في إطار خطط التقشف البريطانية، المولودة من الأزمة الاقتصادية العالمية، تزمع لندن بحكومتها الائتلافية، وقف مساعداتها، لمن؟ للأنظمة الفاسدة. السؤال البديهي هو على الشكل التالي: هل كان الأمر يحتاج إلى أزمة بهذا المستوى العالمي، ومخططات تقشف بهذا المستوى التاريخي، لكي تفكر بريطانيا (وربما الدول المانحة الأخرى)، بوقف مساعداتها لهذه الأنظمة؟. وربما طوعنا السؤال بهذا الشكل: هل في أزمنة الازدهار، تُعمى الأبصار عن الأنظمة الفاسدة؟. وبتطويع آخر: هل يُحصن الرخاء الاقتصادي العالمي، الفاسدين؟. وبمزيد من التطويع: كيف تقبل بريطانيا السياسية ( ولا أقول الشعبية) على نفسها، أن تكتشف في الوقت "ما بعد الضائع"، ما هو مُكتشف أصلاً؟!، وهل كانت صماء، عندما كانت الأصوات تعلو مطالبة بوقف هذه المساعدات منذ سنوات؟!. لماذا انتظرت، حتى شحت أموالها واهتز اقتصادها، لتخطو مثل هذه الخطوة؟. ولعل السؤال الأهم هو : لو عاد الازدهار مجدداً، هل سيتحول الفاسدون بمعايير الدول المانحة إلى صالحين وشرفاء؟!.

يقول الفيلسوف اليوناني إيسوب :" نحن نشنق اللصوص الصغار، ونأتي باللصوص الكبار إلى السلطة". والواقع أن هذا ما يحصل منذ بدأ عصر ظهور الدول المانحة والدول الممنوحة. وعلى الرغم من كل الإحصائيات والتقارير العميقة والرصينة، عن فساد لا يوصف في الدول التي تتلقى المساعدات، إلا أن هذه المساعدات لم تتوقف، ولم تُربط بشروط ذات قيمة ووزن، من أجل أن تصل إلى مستحقيها الحقيقيين، لا إلى اللصوص الذين يفتحون صناديقهم وحساباتهم الأجنبية، لتمر عبرها أو لتستقر فيها، ومن أجل أن تلبي هذه المساعدات الاحتياجات الإنسانية، لا "الاحتياجات" الترفيهية لهؤلاء اللصوص. وربما قدم المستثمر والكاتب الاقتصادي الأميركي دوجلاس كاسي، أبلغ تعليق في هذا المجال عندما قال : "يمكن تعريف المساعدات الخارجية، على أنها تحويلات من الفقراء في الدول الثرية، إلى الأثرياء في الدول الفقيرة"!.

الآن– بعد الخراب- فقط، اعترف السياسيون البريطانيون ( وربما معهم الغربيون في وقت لاحق)، أن مساعداتهم للدول الفقيرة الغنية بالثروات الطبيعية، يبددها زعماء فاسدون!. والآن عرفوا، أن تحقيق الشفافية في استخراج الموارد الطبيعية في الدول الفقيرة، هو واحد من أهم المظاهر الأساسية للتنمية!. والآن انتبهوا إلى أن دافعي الضرائب لديهم يدعمون استراتيجيات تقليص الفقر، في دول لديها موارد مهمة لا يتم استخدامها لفائدة شعوبها!.

ولكي أُسهل الأمر على واضعي سياسات المساعدات في بريطانيا، أذكرهم بأرقام وإحصائيات وتقارير أعدتها مؤسسات بريطانية ودولية، بما في ذلك البنك وصندوق النقد الدوليين، وبنك التسويات الدولي. إن حجم الأموال المهربة من القارة الأفريقية، يفوق حجم المساعدات المالية المرصودة لتنمية القارة السمراء!. ويفوق ماذا أيضاً؟ حجم مديونية القارة برمتها!. وللمزيد، فإن الفرد الواحد في أفريقيا يخسر سنويا قرابة 989 دولاراً أميركياً منذ العام 1970، وأن الأموال المُهربة في العام 2008 لوحده، زادت عن إجمالي الناتج المحلي للقارة بـ7 في المائة!. وللمزيد أيضاً وأيضاً، فإنه على مدى أربعة عقود من الزمن، خرج 1.8 تريليون دولار أمريكي بصورة غير شرعية من القارة السمراء!. أين صبت أغلبية هذه الأموال؟ في المؤسسات الغربية، وفي النظام المالي الدولي المشين! والتقديرات وراء هذا الرقم ليست من تلك ''الجامحة''، بل من المحافظة جداً. فالتقديرات الأخرى تتحدث عن 2.4 تريليون دولار في الفترة المذكورة!. أي أن هذه القارة خسرت قرابة 500 مليار دولار أمريكي كل عشر سنوات. وبعض من مزيد، فخلال أربعة عقود أيضاً، فاق حجم الأموال التي تم تهريبها للخارج من أربع دول أفريقية فقط 210 مليارات دولار!. وهذه الأموال هي ببساطة، خسائر مباشرة لكل فرد يعيش في دول تحكمها أنظمة فاسدة أو مارقة، وهي ضريبة غير مُعلنة فرضها الفاسدون عليه، وتقاضوها دون علمه أو بعلمه لا فرق. هي أموال العلاج والتعليم والتشغيل واستثمار الثروات الطبيعية. أموال لجلب المياه الصالحة للشرب الآدمي، وللتنمية الزراعية والبشرية. هي أموال لصيانة كرامة الإنسان هناك. أموال ليست فقط كافية لتسديد الديون الخارجية للدول الأفريقية البالغة – حسب لوائح العام 2008 - 250 مليار دولار، بل يمكن أيضاً أن تحقق معدلات عالية جداً للنمو.

إذن.. لم تكن بريطانيا ( وغيرها) بحاجة إلى أزمة لكي تعرف الحقيقة. وإذا أرادت الحكومة فيها معرفة الحقائق أكثر وبجهد خاص، ما عليها إلا أن تستعرض حجم وقوة ''نظام الظل المالي العالمي'' أو global shadow financial system، الذي تصب فيه الأموال السوداء المسروقة من القارة السمراء. وهذا لا يعني أن الفساد سمة خاصة بأفريقيا، فهو موجود في كل مكان، لكن.. لأن هذه القارة تستحوذ على أكبر نسبة من المساعدات الخارجية، فإن أعين المراقبين – لا السياسيين – عليها أكثر من غيرها. كما أننا لا نتحدث هنا عن عمليات غسيل الأموال التي تجري في "مصابغ" هذا النظام، وأموال المخدرات التي سندت النظام المالي " الشرعي" في محنته. بل نتناول فقط أموال المساعدات، التي لم تساعد إلا اللصوص أو الفاسدين، كما يحلو للمسؤولين الغربيين وصفهم.

لو أتى الموقف البريطاني الجديد، قبل الأزمة الاقتصادية العالمية، لكان وقعه أكبر وقيمته أعلى، ولسد الطريق أمام المشككين أو المرتابين في النية البريطانية، الذين يستطيعون القول: لولا التقشف والشح المالي والديون الحكومية، لما "عثرت" الحكومة البريطانية على هؤلاء الفاسدين. ولولا التردي الاقتصادي، لما فرقت هذه الحكومة، بين الشرفاء واللصوص. وإذا أرادت الدول المانحة، أن تُكفر عن أخطائها في هذا المجال، وتنقذ ما يمكن إنقاذه، أمامها مهمة أخرى، تنحصر في متابعة وملاحقة الأموال التي هربت من الدول التي تتلقى المساعدات، وترتبط بـ " نظام الظل المالي العالمي"، الذي يعمل بصورة أساسية في الدول المانحة نفسها. وإذا شكلت الأزمة الاقتصادية، حافزاً للدول الكبرى للتفكير في مصير مساعداتها، لتشكل دافعاً للنيل من اللصوص السابقين أيضاً، واستعادة ما أمكن من الأموال المسروقة، خصوصاُ وأنها – أي الدول الكبرى – تعيش في خضم إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي، والنظام المالي ( بشقيه الشرعي والفاسد)، هو جزء أصيل من عملية التشكيل هذه. وإذا لم تستطع مجموعات الدول الكبرى التقليدية، القيام بهذه المهمة التاريخية، لتترك المجال لمجموعة العشرين، التي تضم أطياف متنوعة من القوى في العالم.

وعلى الرغم من أن الخطوة البريطانية جاءت "موسمية"، إلا أنه يمكن التأسيس عليها، ويمكن أن تقود لندن مسيرة وقف المساعدات الدولية عن الأنظمة الفاسدة في كل القارات، وليس القارة الأفريقية فقط. إن الأمر ليس صعباً من جهة التخطيط، بل هو صعب من ناحية التطبيق والتنفيذ. وهذه من المسائل التي لا تنفع معها السياسية ولا الدبلوماسية ولا المرونة. الذي ينفع معها حقاً، موقف استراتيجي حازم، سيحول المساعدات من "مستودعات" الأموال المسروقة الهائلة، إلى جيوب الفقراء الصغيرة. هذا إن كان في ملابس هؤلاء جيوب أصلاً.


الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

صندوق النقد الدولي.. ليس "حصالة" أوروبية!

( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")











" أن تبقى خارجاً أسهل من أن تنجح في الدخول "
مارك توين أديب أميركي

 
 
محمد كركوتــي
 
بصرف النظر عن الملاحظات التي قد توجه لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، في عدد من القضايا العالمية، إلا أنها تمكنت في أقل ما عامين على وجودها في البيت الأبيض، أن تستحوذ على قسط من الحكمة، التي كانت دائماً (في الغرب) من نصيب الدول الأوروبية، لاسيما الكبرى منها. ففي غضون الفترة القصيرة التي مرت على هذه الإدارة، ظهر بوضوح اهتزاز "الرصانة" الأوروبية، التي كانت في السابق (في ظل وجود بعض الإدارات الأميركية المضطربة والمهزوزة وحتى الجاهلة)، بمثابة صمام أمان، في "مصنع" صنع القرار العالمي، وشكلت هذه الرصانة، ملاذاً للمتضررين من القرار الأميركي الذي يخص الحراك العالمي.

كان الأوروبيون يلجمون الجموح الأميركي متى استطاعوا، وكانوا يُصوبون الأخطاء، متى سنحت لهم الفرص. وفي الوقت الذي سنحت لهم فرصاً لتناغم واقعي مع الأميركيين، بوجود إدارة آمنت بضرورة إتباع سياسة "الإشراك"، لعب الأوروبيون – في بعض الحالات – الدور الأميركي غير الراشد، مع إدارة أميركية أكثر رشداً من غالبية سابقاتها!. وقد تجلت هذه الحالة بوضوح، من خلال البحث عن حلول ناجعة للأزمة الاقتصادية العالمية، بما في ذلك إقرار إصلاح اقتصادي عالمي. فقد اختلف الأوروبيون مع الأميركيين في طبيعة الحرب على الملاذات الضريبية الآمنة، والتزموا بحرب أقل هجومية. واختلفوا أيضاً في مسألة فرض ضرائب على العمليات المصرفية، وفضلوا أن لا تكون قوية. واختلفوا أيضاً وأيضاً، في لجم مكافآت ورواتب رؤساء المصارف، واستحسنوا أن تكون عملية الـ " لجم" هادئة ومتهاونة، واختلفوا في النمو الاقتصادي، فأرادوا تقشفاً لم يُقنع الأميركيين.

وقد أحب الأوروبيون الإبقاء على ما أمكن من قوة التجمعات التي تضم الدول التقليدية الكبرى، بينما فضَل الأميركيون تدعيم قوة مجموعة العشرين التي اتخذت زمام المبادرة في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية. وبدا واضحاً، أن بعض قادة أوروبا يرغبون بالتمسك أطول زمن ممكن، بالمعايير التي قام عليها الاقتصاد العالمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بينما وجدت إدارة أوباما، أن الوقت قد حان لإدخال إصلاحات عليها، علماً بأنها لم تعد تصلح لعالم ما بعد الأزمة، مهما كانت عمليات " التجميل" مُتقنة. ولو قمنا باستعراض طبيعة العلاقات الأميركية – الأوروبية منذ وصول إدارة أوباما إلى السلطة، نجد أنها تبتعد بمقدار اقتراب العلاقات الأميركية مع بقية دول العالم، خصوصاً مع منطقة شرق آسيا. ويبدو أن العالم يحتاج إلى جانب الإدارة الأميركية الديمقراطية، القيادات الأوروبية التي حكمت في سبعينات وثمانينات والسنوات الأولى من تسعينات القرن الماضي. فقد كانت أوروبا تنعم بقادة أكثر حكمة ورصانة وتأثيراً.. وحتى مقاماً، من تلك القيادات التي تحكم أوروبا الآن.

وقفت أوروبا (ولا تزال)، ضد المحاولات الأميركية الجديدة لمنح بعض الصلاحيات الأوروبية في صندوق النقد الدولي إلى الدول ذات الاقتصادات الناشئة، والتي استطاعت أن تحتل مكانة متعاظمة في السنوات القليلة الماضية، وتدعمت مكانتها في أعقاب الأزمة العالمية. فالمجلس التنفيذي في الصندوق ( وهو أهم أجهزة صنع القرار) بات " مُلكاً" للدول الأوروبية، من فرط تمثيلها الكبير فيه. فهي تحتل تسعة مقاعد من أصل 24 مقعداً في المجلس المذكور، ولا ترغب أيضاً باقتراح أميركي لخفض عدد المقاعد من 24 إلى 20 مقعداً في إطار صلاحيات أوسع، من شأنها أن تمنح القوى الاقتصادية الناشئة صوتاً أعلى في قرارات الصندوق، بصورة تعكس تنامي النفوذ الاقتصادي لهذه القوى. ولأن الأوروبيين يريدون احتلال مقاعدهم إلى الأبد – مثل الأنظمة الديكتاتورية – بل وزيادة نفوذهم في الصندوق، يحاولون بشتى الوسائل تخليص دولة مهمة كالمملكة العربية السعودية التي أصبحت من الأعمدة الأساسية للصندوق، من بعض صلاحياتها ومنحها إلى دول أوروبية مثل أسبانيا، كما أنهم لا يرغبون بنفوذ مؤثر للصين التي تفوقت من حيث حجم اقتصادها على اليابان، واحتلت مكانتها الثانية في قائمة الاقتصادات الكبرى.

ورغم المحاولات الأوروبية لاقتناص ما أمكن من حقوق التصويت الخاصة بالسعودية في صندوق النقد الدولي، من أجل الالتفاف على المحاولات الأميركية، إلا أن المملكة أيدت منذ البداية، المخططات الرامية لزيادة نفوذ الدول الصاعدة في الصندوق. فقد عرفت أن ذلك يدخل في إطار التحولات الضرورية. فلا يمكن أن يستمر العمل بمعايير اتفاقيات " بريتون وودز" (التي وُضعت في العام 1945 وأوجدت هذا الصندوق الذي يضم الآن 186 دولة)، في القرن الحادي والعشرين، وبعد ماذا؟ بعد أزمة لم تغير وتربك المعايير فحسب، بل وضعت معاييرها. كيف سيكون الإصلاح المزمع إصلاحاً، إذا ما نجحت الدول الأوروبية في تخليص دول ناشئة وصاعدة وفاعلة عالمية – كالسعودية – من "ممتلكاتها" التصويتية؟!. ببساطة تريد أوروبا أن يدفع الصاعدون "فاتورة" الإشراك المُستحق للصاعدين الجدد، وتقاوم كل المحاولات لوضع الأمور في نصابها الطبيعي، خصوصاً وأنها – أي أوروبا – لا تزال تعيش في أوهام ماض ولًى منذ وقت قريب لا بعيد!. ولا تزال تعتقد بأن ثقافة " بريتون وودز"، التي سببت أزمات متلاحقة للعالم أجمع، وزعتها على كل عقد من الزمن تقريباً، يمكن أن يكون لها موطئ قدم في عالم، تبدلت فيه معايير الكبير والصغير. وربما لا تزال تعتقد، بأن القرارات التي كان تَصدر بـ " التمرير" يمكن أن تنسحب على عالم اليوم!.

لم يحدث من قبل أن استعرضت الولايات المتحدة الأميركية عضلاتها بهذه الطريقة مع شركائها الأوروبيين. فقد اعتبرت – بل وأعلنت- أن ما يؤخر خطوة تاريخية كهذه، هو العجز الأوروبي في تعزيز إصلاح الصندوق. ومن الواضح أنها وضعت هذه القضية ضمن نطاق مفهومها للإصلاح الاقتصادي العالمي. فهي لا تريد لصندوق النقد الدولي أن يكون بمثابة "حصالة" أوروبية، أو شركة تابعة للقارة العجوز، أو مصرف من المصارف الأوروبية – وحتى الأميركية - المشينة. وإذا أراد الأوروبيون صندوقاً يتسيدون فيه المشهد العالمي، لينشئوا "صندوق النقد الأوروبي"، علماً بأنهم فشلوا في الوصول إلى قاسم مشترك فيما بينهم لتأسيس مثل هذا الصندوق. فالقضية باتت أكبر بكثير من ناد يسيطر عليه طرف ما، أومن منظمة تقبع تحت وصاية جهة معينة.

ما يحتاجه الاقتصاد العالمي، وهو في طور خضوعه للإصلاح الشامل، أن يَخضع صندوق النقد الدولي إلى معايير الحوكمة، تماماً مثل أي مؤسسة عالمية أو محلية. بل أن حوكمة الصندوق ينبغي أن تشكل جزءاً أصيلاً من عملية الإصلاح. فهذا الصندوق تدخل – ويتدخل – عشرات المرات من أجل إنقاذ اقتصادات قابلة للانهيار، والمخططات التي يضعها والأموال التي يمنحها، تمر عبر مجلسه التنفيذي. ومن حق الدول الصاعدة أن تكون لها كلمة مسموعة في حراكه وآفاق عمله، لا كلمة للاستهلاك الإعلامي فقط. كلمة توازي القوة المتكسبة لهذه الدول، التي – لمن نسي – لم تكن طرفاً في ارتكاب الأزمة العالمية الراهنة، التي لم تخلط الأوراق فحسب، بل أوجدت حقائق، دمرت كل "الحقائق" التي اعتاد العالم عليها طوال أكثر من ستة عقود من الزمن. أوجدت تغييراً حتمياً لا اختيارياً. فالاختيار لا مكان له، عندما يكون الجميع في قارب واحد، وعندما تكون الأمواج أعلى من هامة الكبار، وأكبر من قدرتهم على السباحة.

الثلاثاء، 17 أغسطس 2010

شباب البطالة!

( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")










" ما جدوى أن تكون عبقرياً طالما أنك لا تستطيع أن تستخدم عبقريتك كحجة لبطالتك"
جيرالد بارزان كاتب ومؤلف أميركي

 
 
محمد كركوتــي
 
إذا كان انهيار المصارف والمؤسسات الكبرى والصغرى، مثَل الوجه "البطولي" للأزمة الاقتصادية العالمية، فإن انتشار البطالة بأنواعها (وهي كثيرة) يُمثل وجهاً بطولياً للأزمة الاجتماعية – المعيشية – الإنسانية، التي وُلدت ( ولا تزال تتوالد) من الأزمة الكبرى. والمفجع، أن مصيبة البطالة، هي عبارة عن مجموعة من المصائب، بدأت بتسريح الموظفين والعمال، بأعداد تاريخية هائلة ( قسراً وطوعاً)، واستمرت بتشغيل الأطفال، وارتفاع عدد الشبان العاطلين الذين لم يدخلوا أصلاً سوق العمل، بل وتسريح من دخلوا منهم بالفعل إلى هذه السوق، لفترات تحسب بالأشهر لا بالسنوات ولا بالعقود. ماذا كانت النتيجة؟ تعاظم الفقر والجوع والجرائم والضياع الاجتماعي، وتشتيت شمل الأسر، بل وانهيارها!. وقد وصل الأمر إلى حد، تغير معه مفهوم أن المصائب الكبرى تولِد مصائب صغرى. فما نشهده على الساحة العالمية، أن المصائب الكبرى تأتي بمصائب كبرى، وفي بعض الحالات توِلد مصائب أكبر منها!.

وهذا ليس غريباً في عالم هائم بما هو غير مُحتمَل وما هو غير مُتصَور وما هو غير وارد. إنه عالم "العجائب" الاقتصادية، التي صدمت الجميع، بما في ذلك أولئك الذين ارتكبوا الأزمة الكبرى، وكانوا يدَعون بأنهم يملكون الرؤية التي تُمكِنهم من تفادي الأزمات والمصائب، وأنهم يستطيعون إصلاح الخلل فور وقوعه.. بل وتفاديه!. وكانت النتيجة، أن الخلل لم يكن سوى كارثة، لا تحدث إلا مرة كل قرن من الزمن، كما قال "زعيم" المُدعين الاقتصاديين آلان جرينسبان رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي السابق ( البنك المركزي)!. والمشكلة، أن المصيبة الكبرى جداَ، لم تترك مجالاً للتحرك الفعال والسريع أو المناورة الضرورية. بل لم تفسح المجال، حتى لتصور الممكن أو المتاح!. سدت كل الطرقات والمنافذ، وأصبح التحرك – أي تحرك – معها شيئاً من العبث، وفي أحسن الأحوال بلا جدوى. ولعل هذه المصيبة هي الوحيدة في التاريخ، التي لن تزول، دون أن يكون للزمن حصة تصل إلى 90 بالمائة من الحل!. لماذا؟ لأن أدوات الحلول لم تعد صالحة، والصدأ الذي أصابها، تجاوز إمكانيات إعادة تأهيلها للعمل، إلى جانب أمراض "الشيخوخة" الاقتصادية التي ضربت الدول الكبرى في الوقت المناسب. أي أنها لم تُصب بـ شيخوخة" مبكرة.

في منتصف ثلاثينات القرن العشرين، وفي عز الكساد العظيم، كان العالم أكثر واقعية وحكمة، عندما وضع كارثتان لا ثالث لهما على رأس أولوياته. البطالة، والتهديد بنشوب الحرب. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبعد انفجار أزمة اعتبرها العاقلون أعظم من الكساد العظيم، لم تمثل البطالة سوى قضية خطيرة جداً، لكن لتنزوي خلف القضايا الأخرى في الوقت الراهن!!.

البطالة الجديدة، هي تلك التي تعم أوساط الشباب، وتقطع الطرق أمامهم للحصول حتى على وظائف غير مستدامة، أو على طريقة " عمال التراحيل". هذا النوع من البطالة، أوجد جيلاً ضائعاً ومحبَطاً على مستوى العالم. وطبقاً لآخر دراسة أصدرتها منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإن العام يعج بأكثر من 81 مليون عاطل عن العمل، تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة. وهذه النسبة ضمن هذه الشريحة، هي الأعلى الإطلاق في تاريخ العمالة!. والواقع، أنه في الأشهر القليلة التي سبقت الأزمة العالمية في عام 2007 ( وإن انفجرت في العام 2008) بلغت النسبة الكلية للبطالة في العالم 11,9 في المائة، وارتفعت حتى نهاية العام 2009 إلى 13 في المائة، ومن المتوقع أن تستقر عند نهاية العام 2010 في حدود 13,1 في المائة. وعلى الرغم من بعض التوقعات بأن تنخفض البطالة إلى 12,7 في المائة في العام 2011، إلا أن المؤشرات كلها تدل على عكس ذلك. خصوصاً في ظل تعاف اقتصادي عالمي منكمش، أو نمو هش.

ومنذ منتصف العام 2007 أُضيف 7,8 مليون عاطل، إلى "عديد" العاطلين الشباب، وأُضيف معهم همٌ، لا يقل فداحة عن الهموم الكبرى. وعلينا أن نتخيل صورة أداء الاقتصاد العالمي، عندما يكون هذا العدد الهائل من مُحركي التنمية الاقتصادية، بلا عمل، وبلا مؤشرات على إمكانية إخراطهم في المستقبل بالسوق!. ماذا يحدث في المقابل؟ تقوم الدول الكبرى ( وفي مرحلة لاحقة الصغرى)، بسن قوانين لرفع سن التقاعد، ليس من أجل الحفاظ على مشاعر العاملين الكبار، وإبقائهم في مواقعهم أطول فترة ممكنة، لكي يشعروا بأنهم لا يزالون قادرين على العطاء، بل من أجل توفير الأموال، لكي تستطيع المؤسسات والشركات التي نالت منها الأزمة، تعويض خسائرها، وتسديد فواتيرها الإنقاذية. ولهذا السبب ( بالإضافة إلى أسباب أخرى لا تقل ضرراً)، فإن الأبواب تغلق أمام طالبي العمل من الشباب، على الرغم من أنهم يطرقونها بكل ما يملكون من قوة. ويرى المدير العام لمنظمة العمل الدولية خوان سومافيا، أن التخلي (أو لجم) طاقات الشباب "يسبب خسارة اقتصادية قد تخل باستقرار المجتمع".

وهذا صحيح إلى أبعد الحدود، خصوصاً في الدول الناشئة، التي تشكل شرائح الشباب فيها قرابة 90 في المائة من عدد سكانها. ولكن لتخفيف المرارة في أوساط الشباب الذين يعيشون في الدول الفقيرة والناشئة، أظهرت الأرقام أن ارتفاع نسبة البطالة عند الشباب في الدول الصناعية، لاسيما في وسط أوروبا، بلغ 45 في المائة، في حين بلغ في الولايات المتحدة الأميركية 18 في المائة. ولكن لا عزاء للعرب. فالجهات الرسمية العربية تُقدر عدد العاطلين الشباب بحدود 25,7 في المائة، وهي النسبة الأكبر على مستوى العالم، وأعلى من المتوسط العالمي بنسبة 77.8 في المائة، إلا أن واقع الحال يطرح نسبة أكبر منها ( بعض الجهات تقدر نسبة العاطلين من الشباب العرب بـ 50 في المائة).

إذن.. المصيبة عامة، كعموم الأزمة الاقتصادية العالمية، مع فارق كبير، هو أن التشريعات في الدول الصناعية، تمنح العاطلين ( شباباً وكباراً)، كرامة ليست متوفرة لشعوب الدول الفقيرة. ومن المشاكل أيضاً، أن توفر العمل، لا يتيح حياة كريمة للعاملين الشباب. فعلى سبيل المثال فشل في العام 2008 ما يقرب من 152 مليون شاب ( أي ما يوازي 28 في المائة من هذه الشرائح) في الخروج من حالة الفقر، رغم أنهم يعملون، وذلك لأن ما يكسبه الفرد الواحد منهم لا يزيد عن 1,25 دولاراً أميركياً في اليوم الواحد. أي أن هذا الدخل، ليس كافياً إلا لشراء الرغيف، ولا بأس من بعض الملح معه!.

هذه الحقائق، تطرح سؤالاً طبيعياً مُلحاً. ما هو الحل؟. الحل المنطقي ببساطة، هو قيام الحكومات بتنفيذ برامج لدعم توظيف هذه الشريحة في مجتمعاتها. وهنا تظهر المعضلة. هذه الحكومات تقوم في الواقع بخفض موازناتها من أجل تسديد ديونها الهائلة، وإعادة شيء من الاستقرار لاقتصادات بلادها. فلا أموال موجودة، ولا مشروعات متوفرة، ولا أمل في المستقبل المنظور، يمكن التمسك به. وإذا قلنا، إن الاستثمارات الخارجية تساهم في عمليات التوظيف، فإننا نصطدم بشح أموال الجهات الخارجية.

الشيء المؤكد، هو أنه ليس أمام هؤلاء الذين يُفترض أنهم عماد التنمية الاقتصادية، سوى التضرع إلى الله.

الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

مراقبة الرقيب!

( هذا المقال خاص بجريدة " الاقتصادية")







" لكي تتعلم قول الحقيقة، عليك أن تتعلم سماعها "
صموئيل جونسون أديب وكاتب بريطاني


محمد كركوتــي

بعد المصارف ورؤسائها، والأسواق المالية وسماسرتها، والمؤسسات الاستثمارية و"فطاحلها". وبعد الحكومات وسياسييها، والأحزاب وقادتها. وبعد الشركات الاستشارية و" عباقرتها".. جاء دور وكالات التصنيف (التقييم)، برؤسائها وباحثيها ودراساتها وبياناتها وجداولها، وبـ "إلهامها" التنبؤي، ومساهماتها "الإرشادية" غير التنويرية. فعلى مدى عقدين من الزمن، لم يقف شيء في وجه هذه الوكالات. ولأن الأمر كذلك، لم تُدخل على نفسها إصلاحات، حتى ولو كانت متواضعة. فقد كانت تعتبر نفسها فوق كل الإصلاحات والشبهات. كيف لا؟ وهي التي وهبت لنفسها الحق في توجيه الآخرين ـ "إصلاح" أنفسهم، ولاقت قبولاً منقطع النظير لدورها هذا، ولآلياتها التصنيفية، وبالتالي لكل ما يصدر عنها، بصرف النظر عن قيمته.

قبل الأزمة الاقتصادية العالمية، تحولت وكالات التصنيف إلى ما يشبه الطغاة، الذين لا يحبون سماع سوى كلمتين فقط من الرعية، هما " السمع والطاعة". ولا بأس من مكافآت هائلة يتلقونها من السامعين والطائعين!. هذه "المكافآت" كانت بمثابة رشاوى، تقدمها مؤسسات تسعى إلى تصنيف عالي المستوى، حتى وإن كانت هي نفسها دون المستوى!. بينما كانت الحكومات تستجدي هذه الوكالات، خوفاً من تصنيف، لا يضر السياسيين فحسب، بل يؤذي الاقتصادات الوطنية، ويثير الشكوك حولها. وفي فترة زمنية طويلة، كانت التصنيفات الخاصة بالشركات والمستثمرين الكبار ( من بينهم المستثمر الوهمي المحتال برنارد مادوف) تصدر على حسب الأجور التي تتقاضاه وكالات التصنيف، بما في ذلك تلك التي تحتل مكانة مرموقة في الحراك الاقتصادي العالمي. ولذلك فقد أشادت وثمنت شركات ومصارف قبل أيام من انهيارها، ورفعت مؤسسات إلى أعلى المستويات، بينما كانت تصارع الموت، وتستجدي مالاً حكومياً لإنقاذها أو لتعويمها، ولإبقاء ما أمكن من دماء في عروقها. وبينما كان رؤساء المصارف يلملمون أوراقهم ومكافآتهم الهائلة، تحت جنح الظلام للهرب من الساحة، كانت وكالات التصنيف تمنحها درجة ( إى إى إى )، إلى حد أذهل الرؤساء الهاربون أنفسهم!.

لم يتحرك أحد من أصحاب القرار للجم هذه الوكالات. وإذا وجد من يرفع صوته عالياً داعياً إلى إخضاعها هي نفسها للتصنيف والتقييم، كان يواجه اتهامات، بأنه نذير شؤم ومحبط، وفي أحسن الأحوال ليس متفائلاً. ولأنها وصلت إلى مرحلة التقديس، فلم يُسمح لأحد ( أو لجهة) بانتقادها، خصوصاً عندما يكون الحراك الاقتصادي متفاعلاً و "رشيقا وجذاباًً"، بصرف النظر إذا ما كان هائماً على وجه أم لا، أو إذا ما كان متفاعلاً في حراك فوضوي "فقاعي"!. وكما أُسكتت الأصوات التي كانت تنادي بضرورة الإصلاح، وبوقفة لتقييم أدوات الاقتصاد، كذلك أُسكتت الأصوات المنادية، بتقييم المصنِفين. وعندما يكون شعار المرحلة الطويلة "دع الأسواق تعمل، وإنها قادرة على تصحيح نفسها"، لا مكان للمنتقدين، ولا لأولئك المتشائمين. لقد كان شعاراً وفر كل غطاء ممكن، لكل حركة فوضوية تسود السوق.

بعد "قنبلة" الأزمة الاقتصادية، عرف العالم أن وكالات التصنيف، لم تكن سوى بوق لمؤسسات وشركات ومصارف تعمها الشكوك ومعها الفشل. ولم تكن سوى أداة للتخويف من الاقتصادات الوطنية خصوصا في الغرب. وعندما كان ترفع تقييم ومستوى شركة أو مصرف في اليابان -على سبيل المثال- كانت في المقابل تُخفض – من دون وجه حق – مستوى الاقتصاد الياباني، والأمر ينطبق على غالبية الدول الغربية، التي وجدت في هذه الوكالات، عدواً ينبغي الوقوف في وجه، أو على الأقل تحييده. وعندما استفحلت الأزمة، ونالت من كل شيء، صار بيان من سطر واحد فقط يصدر عن وكالات التصنيف، يمثل خطورة وطنية وقومية للبلد المصنَف، لاسيما إذا ما كان هذا البيان متجاوزاً للواقع. وهذا لا يعني أن تقوم الوكالات المعنية بتغطية الحقائق، ولكن عليها أن تقدم الحقائق كما هي. فمسؤولية وكالات التصنيف ليست اقتصادية فقط، بل أخلاقية أيضاً.

هذا التردي لم يجعل من الوكالات عدواً للحكومات فحسب، بل أيضاً للمؤسسات الدولية، التي وجدت في تقييم الوكالات إحباطاً غير مبرر، للحكومات وشعوبها، الأمر الذي دفع رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه إلى القول:" إن العالم يحتاج إلى أكثر من ثلاث وكالات رئيسية للتصنيف الائتماني، لأن تحركاتها تؤجج تقلبات السوق". ومضى المسؤول الدولي أبعد من ذلك عندما قال:" إن وكالات التصنيف تميل بشكل عام، إلى تضخيم الارتفاعات والانخفاضات في الأسواق المالية، ومازال من الممكن رؤية ذلك بوضوح اليوم. هذا يؤثر على الاستقرار المالي". ولعل أبلغ مثال على ذلك، قيام وكالات التصنيف بتهوين قدرة منطقة اليورو، على التعامل مع أزمة الديون الحكومية ( السيادية)، في الوقت الذي يرى فيه أي مراقب متوازن الرؤية، بأنه من الخطأ التقليل من قدرة أوروبا، خصوصا في منطقة اليورو.

هناك وكالات تصنيف عالمية رئيسية، وأخرى بالعشرات ( إن لم تكن بالمئات) موجودة على الساحة. والحل في الحقيقة، ليس بزيادة عدد الوكالات الرئيسية ( أو غير الرئيسية)، بل بتأسيس منهج جديد، يقوم على حوكمة وكالات التصنيف كلها، وهذا لن يتم إلا بإشراف دولي ( عن طريق الأمم المتحدة أو مؤسساتها الدولية مثلاً)، بعيد عن أيادي الحكومات ومكاسب الوكالات. وإذا تعذر الوصول إلى هذه الحالة الرقابية، ماذا يضير من وجود لجان مستقلة على طريقة الـ " ووتش دوج" Watchdog ، سواء أكانت وطنية أو دولية؟. فإذا كانت الوكالة متخصصة في تصنيف قدرات ومقدرات الدول، فلماذا لا تخضع إلى رقابة دولية محايدة؟. لماذا لا يتم البحث عن صيغة ما تحل المعضلة الكامنة، في أن المصنف ( بكسر النون)، يحصل على أتعابه من المصنف ( بفتح النون)؟. هناك الكثير من الخطوات الضرورية التي ينبغي القيام بها، لحل واحدة من أكبر المشاكل. ولا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تحقق مشروعات الإصلاح العامة التي تشمل المصارف والأسواق المالية والمؤسسات الكبرى، نتائج عملية دون التعاطي السريع مع هذه القضية، وفق منظور مختلف، يأخذ بعين الاعتبار الأزمة الاقتصادية الراهنة، التي يعرف الجميع أن وكالات التصنيف كان له دور في صناعتها.

قد يحتاج العالم إلى وكالات تصنيف رئيسية جديدة ( وربما بديلة)، لكن تزايد أعدادها، سيجلب معه أزمة جديدة، إذا ما ظلت هذه الوكالات بعيدة عن تشريعات مستحدثة، وأدوات رقابية، لا تسترها، ولا تستر معها في الوقت نفسه الجهات الخاضعة للتصنيف. كما أن الانتشار العشوائي والفوضوي للوكالات المتخصصة في تصنيف المؤسسات ( المصارف على رأسها)، لن يؤدي إلا إلى مزيد من التصنيفات غير المستحقة، التي بدورها ستنشر حالة من التمويه، تشبه تلك التي كانت في خضم مقدمات الأزمة. يضاف إلى ذلك، أن وجود وكالات خاضعة لمعايير الشفافية والجودة وحتى الحوكمة، سيجعل من حجج الحكومات "المتظلمة" واهية، وسيمنح المستثمرين (لاسيما الصغار منهم)، معلومات فائقة الجودة، عن مؤسسات وشركات ومصارف، لا تستحق امتياز الجودة. يجب أن تكون هذه الوكالات مثل الطبيب، الذي لا يخفي شيئاً للمريض عن حالته، ولكنه لن يوفر وسيلة لعلاجه. لقد أصبح ضرورياً الآن، مراقبة الرقيب، الذي أخطأ مرات لا تحصى، وساهم في جلب أزمة لا يزال العالم يحصي خسائرها.



الأحد، 8 أغسطس 2010

محتوى على الهواء العربي.. بوزنه!

( هذا المقال خاص بمجلة إذاعة وتلفزيون الخليج )



" كل القنوات التلفزيونية تعليمية. السؤال هو : ماذا تُدرِس؟"
رئيس المفوضية الأميركية السابق للاتصالات نيكولاس جونسون




محمد كركوتــي

تعاني القنوات التلفزيونية العربية ( وفي مقدمتها الفضائية )، من أزمة مُستحكمة لم ينفع معها التراكم المهني للقنوات التي تتمتع بقسط زمني طويل منذ وجودها على الهواء، ولم ينفع مع القنوات الفضائية الجديدة نسبياً، انفتاحها ( من حيث الأداء) على مثيلاتها غير العربية. أزمة وُضعت في ذيل الأولويات، بل أن بعض القنوات العربية وضعتها خارج سلم هذه الأولويات!. أزمة لو طبقت عليها المعايير الإعلامية الأساسية، بل والبدائية، لسقطت الغالبية العظمى من القنوات العربية في هذا الامتحان المهني. أزمة تمثل هماً عند القنوات الراشدة ( لاسيما غير العربية)، لكنها في الساحة العربية، تبدو وكأنها من الكماليات، أو تلك التي تنطبق عليها مقولة "إلى حين ميسرة"!.

إنها أزمة المحتوى، الذي يشكل القاعدة الأساس لأي وسيلة إعلامية، والذي من خلاله يتم تصنيف هذه الوسيلة وتلك، وفق المعايير المعمول بها على الساحة الإعلامية ككل. فغالبية القنوات العربية تقدم الشكل على المضمون، وبعضها لا يُقدم شكلاً ولا مضموناً، وبعضها الآخر، يكتفي بإعلان "نجاحه"، لمجرد أنه استطاع أن يعبئ ساعات الهواء الواحدة تلو الأخرى!. المهم أن الشاشة مليئة بالمنتج التلفزيوني، بصرف النظر عن ماهية ومستوى وجودة هذا المنتج. وقد شاءت الصُدف أنني شخصياً، جُمِعت في أحد المنتديات الإعلامية العربية، مع رئيس لإحدى القنوات العربية، الذي قال بفخر، إنهم ينتجون الساعة التلفزيونية الواحدة، في مدة ساعة واحدة!!. فما كان مني، إلا أن انسحبت بهدوء، مستضيعاً الزمن الذي جلست فيه إلى جانبه . فإذا كان أكبر شخصية في هذه القناة، يفهم الإنتاج بهذه الصورة، فكيف الحال بالمنفذين الذي يعملون تحت إمرته؟!. هي إذن.. تعبئة الهواء بأي شيء، حتى ولو كان أخف من الهواء نفسه. فقد كنت أعتقد، أن كل من يعمل في هذا القطاع الخطير، يعرف أن ساعة إنتاج، تحتاج إلى ما بين خمس إلى ست ساعات إعداداً وتحضيراً، وخلق الظروف المواتية لهذا الساعة، وبعض الساعات الأخرى تحتاج إلى أسابيع إنتاجية. وحتى لو افترضنا أن قناة ما تعاني من شح الموارد والضيق المالي والبشري، فلا يمكن أن يشكل هذا الإنتاج المُعيب فخراً لأحد. فقد تمنيت أن لا يظهر في يوم من الأيام مدير آخر لقناة عربية أخرى، يتباهى بإنتاج ساعة تلفزيونية بنصف ساعة فقط!!.

إن المحتوى مع غياب الإدراك الإعلامي ( الذي يُغييب معه بالضرورة الحد الأدنى من المستوى المهني)، ليس سوى جعجعة لكنها خطيرة ومؤذية. لماذا؟ لأنها موجه إلى قاعدة عريضة من المتلقين. وإذا كانت هناك شريحة من هؤلاء المتلقين، تستطيع فرز الغث من الثمين، فإن الشريحة الأكبر تأخذ ما يُقدم لها كما هو، لاسيما في ظل التراجع الذي لم يتوقف أو يتباطىء، على صعيد التحصيل الفكري والثقافي فيها ( في العالم العربي 90 مليون أمي). لن أتحدث هنا عن البرامج الموجهة للأطفال، فهذه لوحدها جريمة ترتكب على مدار الساعة. والذي يزيد الأمر تعقيداً، أن التراكم المهني الذي يُفترض أن يكون موجوداً على الساحة الإعلامية بصورة أوتوماتيكية، لا يزال دون مستوى المحتوى، ويبدو هذا التراكم مثل المياه التي تذهب هدراً، في أوج الاحتياج لها!. وقد أثبتت غالبية القنوات العربية، أن التخبط يتسيد الساحة، خلف الكاميرات وأمامها، وأن قدسية الهواء لا مكان لها!. ومع ازدياد عدد الفضائيات العربية ( يصل مجموعها إلى ما بين 600 و700 قناة حالياً)، يزداد الجهل في المادة المُقدَمة، ويرتفع زخم تجاهل المُتلقي نفسه، الذي يمثل في النهاية الحلقة الآمنة لأي قناة.

والحقيقة أن مصائب الإنتاج التلفزيوني العربي، تصاحبه كمية هائلة من البرامج المستنسخة، فضلاً عن الدراما المدبلجة، الأمر الذي يعزز الحقيقة الأكبر، وهي أن الابتكار مفقود في القنوات التلفزيونية، بما في ذلك تلك التي تستند على أرضية مالية وبشرية صلبة. والابتكار – كما نفهمه – يسبق المحتوى بخطوة، ولأنه كذلك، فإن المصبية تصبح مصيبتان، وتتحول سريعاً إلى جزء أصيل من المعطيات الموجودة في القنوات العربية. نحن نعلم أن "المنتجات" الإعلامية المستنسخة، ليست حكراً على القنوات العربية. فهي موجودة في قنوات تلفزيونية أجنبية، ضاربة الجذور في القِدم والابتكار والإبداع، وقبل هذا وذاك المهنية العالية، لكن هذه "المنتجات" لا تشكل جزءاً أصيلاً، من الهيكل الإنتاجي فيها. فلديها من البرامج ما يمكن أن يُسوَق، وهناك الكثير من القنوات تسعى للحصول على حقوق إعادة بث هذه البرامج، من فرط جودتها.

إن الانفتاح والعولمة، بالإضافة إلى وجود القدرة على استنساخ البرامج ( مالياً على الأقل)، أحسب أنها يجب أن تُبقي قضية المحتوى الإعلامي – بشكل عام – حية ومطروحة بصورة دائمة، طالما أن هناك فضاء عربياً يعج بهذا الكم الهائل من القنوات التلفزيونية. أو على الأقل ينبغي أن تُبقي هذه القضية في محيط القنوات العربية التي ترتكز على المهنية، وشيء من الإبداع المطلوب. فعدد القنوات المتعاظم، لا يوفر بأي حال من الأحوال، إعلاماً جيداً. وكل ما تقدمه هذه القنوات، إنتاجاً مكرراً ومملاً ومتخلفاً، (بعض المتخصصين في الشؤون الإعلامية يعتبرونه سلطويا)، فضلاً عن ضرره الماحق، للمتلقي البسيط، ثقافة واطلاعاً.

يقول الجندي الأميركي الأول وليم فوستر: " الجودة لا تأتي مصادفة. هي نتاج نوايا حسنة، وجهد صادق، وتوجيه ذكي، وإخراج متمرس.. إنها اختيار حكيم لبدائل متعددة". والجودة هي الحاجة الأولى المُلحة، للغالبية العظمى من القنوات العربية، لكنها لن تأتي من فرط عدد القنوات ( لاسيما الارتجالية منها)، بل من معادلة بسيطة التركيب، لكنها ليست سهلة التطبيق، هي على الشكل التالي: إبداع + انفتاح + ابتكار+ كوادر واعية – جهل = جودة". ويرى بعض الخبراء العرب، أن الحل أو مشروع الحل، يكمن في الإنتاج العربي المشترك، بصورة تتلاقى فيها المصالح والإيرادات. وهذا في الواقع ليس صعباً، بل قابلاً للتنفيذ والتطبيق، ولكن ليس بمعزل عن رؤية متكاملة، تستند على فهم "قدسية" الهواء العربي، الذي انتهكه بعض من يملكون المال، ولا يملكون شيئاً معه.

الثلاثاء، 3 أغسطس 2010

في بريطانيا شيء من حماقة إدارة بوش!

( هذا المقال خاص بجريدة "الاقتصادية")









"الموقف الصحيح في المساعدات
.. هو حذف الامتنان"
ماريا ماينس مؤلفة وناقدة أميركية

 
 
محمد كركوتــي
 
عندما رحلت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن عن البيت الأبيض إلى غير رجعة، خلَفت – من ضمن ما خلفت من فواجع – أزمة اقتصادية عالمية، تتحدى كل الأزمات الكبرى الأخرى بفواجعها.. وقبلها خلَفت موقفاً ( وسلوكاً) سياسياً – اقتصادياً حيال المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية للدول الفقيرة المُعدمة، بلغ حداً اعتبر بعض كبار المسؤولين في الإدارة، أن هذه المساعدات ليست ضرورية. ولو استطاعوا أن يمضوا أبعد من ذلك، لاعتبروها من "الكماليات". ولو تمكنوا من حذفها نهائياً لحذفوها. بل لو أمكن لهم استعادة ما قدموه لفعلوا!. ومن فرط هذا السلوك المشين، تراجعت الولايات المتحدة في فترة بوش الابن، من المركز الأول في قائمة الدول المانحة للمساعدات، إلى المركز الرابع في العام 2008 بـ 6,9 مليار دولار أميركي، بينما بلغ حجم مساعداتها في العام 2003 قرابة الـ 12,9 مليار دولار، لتتقدم عليها كل من فرنسا ( بـ 12 مليار دولار) وبريطانيا ( بـ 10,7 مليار دولار) واليابان (بـ 8,9 مليار دولار). وفي حين احتلت ألمانيا المركز الخامس ( بـ 5 مليار دولار)، بلغت المساعدات الهولندية 4 مليارات. وهذا يعني أن الولايات المتحدة التي لا تزال تتمتع بأكبر اقتصاد في العالم، تقف في أدنى درجة لها أمام دولة صغيرة مثل بلجيكا التي تقدم ألف مليون دولار سنوياً كمساعدات خارجية، على أساس ناتجهما الوطني.

هذه الحالة الأميركية المُعيبة، كان يقابلها فخرٌ بريطانيٌ مستحق، بالمركز الثاني للمملكة المتحدة في قائمة المانحين، استناداً إلى الفارق الهائل في حجم الناتجين الوطنيين لكل من بريطانيا والولايات المتحدة. وشكلت الحالة الأميركية، نشوة عارمة لحكومة العمال البريطانية السابقة، التي كانت تنظر إلى المساعدات التي تقدمها، كجزء أصيل من "الانتساب" إلى الإنسانية، وكواجب دولي، تفرضه معايير الكبير بهامته وسلوكه في آن معاً، وليس بهامته فقط. فقد ظلت الولايات المتحدة في عهد بوش الابن، هامةً جوفاء، فقدت احترام العالم ( سياسياً واقتصادياً وسلوكياً)، بل فقدت احترام الناخبين الأميركيين الذي أَوصلوا هذا الأخير إلى البيت الأبيض. وتكفي الإشارة إلى أن إدارة بوش الابن، "فازت" بكأس أسوأ الإدارات الأميركية قاطبة، داخلياً وخارجياً.

ليس واضحاً، إذا ما كانت بريطانيا بحكومتها الحالية تستعير شيئاً من حماقة إدارة بوش الابن. لكن يبدو أن الأمور تسير بهذا الاتجاه، رغم أن التاريخ يُثبت، بأن الحكمة كانت تعتري الغالبية العظمى من الحكومات البريطانية المتعاقبة. ويبدو أيضاً، أن الائتلاف الغريب ( وغير المتكافئ)، بين الحزب الديمقراطي الليبرالي وحزب المحافظين، لم يفسح مجالاً للمعايير الإنسانية التي يلتزمها الليبراليون، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن المحافظين هم الجناح الأساسي في هذا الائتلاف وليس العكس. في بريطانيا تتشكل ثقافة سياسية باتجاه تحولها إلى سلوك، يمكن تلخيصها في هذه المقاربة: " إن ما تحتاجه سيراليون والنيجر والصومال واريتريا وليبيريا، وغيرها من الدول المنكوبة اقتصادياً، منذ أن رُسمت حدودها على الخارطة، ليس حتماً أن يكون ضرورياً!". فالضروريات التي كان يتفق عليها حتى الخصوم، لم تعد تستحق توصيفها!. ولأن الأمر كذلك، فقد قررت الحكومة البريطانية استقطاع مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية من مساعدتها للدول الفقيرة، لماذا؟ لمواجهة تكاليف مشاركتها (وانسحابها مستقبلاً) من أفغانستان!. والحجة – التي أصبحت "نشيد" المتهربين من المسؤوليات- هي الأزمة الاقتصادية العالمية، وتبعاتها على الموازنات والمخصصات.

نحن نعلم أن بريطانيا تعيش أزمة اقتصادية تاريخية – كغيرها من الدول الكبرى والصغرى -، ونعلم أيضاً، بأنها تضغط الإنفاق العالم، من أجل سد العجز في موازنتها العامة. ونعلم أيضاً وأيضاً، أنها في وضع مالي، بات يهدد الإنفاق العسكري، إلى درجة أنها تفكر بسحب قواتها البالغ عديدها 26 ألف جندي من ألمانيا، المتمركزة هناك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. ولكن هل يبرر هذا الوضع "غربلة" المساعدات البريطانية التي تنتفع منها 102 دولة حول العالم(بما في ذلك دول تحت لواء الكومنولث) ؟!. وهل يمكن للمملكة المتحدة، الحفاظ على مكانتها والتزاماتها الدولية، بعد عمليات التقليص؟. وهل تعجز دولة كهذه، عن الاستمرار في توفير ما يقرب من 9 مليارات جنيه إسترليني (من بينها 2,9 مليار جنيه هي ميزانية وزارة التنمية الدولية)، حتى في ظل الأزمة العالمية؟. إذا كان المثل المصري الشهير " ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع"، ينطبق على بيت في الحدود الدنيا من دخله، فإنه لا ينطبق بأي حال من الأحوال على دولة كبريطانيا، يمكنها – رغم الأزمة – أن تحافظ على التزاماتها الدولية، بما يتناسب مع هالتها العالمية. والواقع أن المساعدات الأوروبية – من ضمنها البريطانية – تراجعت في العامين الماضيين بصورة ملحوظة، ومن المرجح أن لا تفي هذه الدول بتعهداتها الخاصة بالمساعدات، ضمن ما أصبح يعرف بـ " أهداف الألفية" التي أطلقتها الأمم المتحدة مطلع القرن الجاري.

لبريطانيا – كما الدول الكبرى الأخرى – حجتها، فبإمكانها القول : " لا توجهوا إلينا اللوم.. نحن في أزمة"، ويمكنها لوحدها أن تقول: " إننا في الواقع في أزمتين، الأولى: الاقتصادية، والثانية: الأفغانية – العراقية". ولكن هل تستطيع تحمل تبعات تراجع مساعداتها؟ وهل بإمكانها احتواء المصائب التي ستنجم عنها، وفي مقدمتها "القنبلة الاجتماعية" العالمية التي ستنفجر من جراء الشح المالي؟. وبينما العالم يحاول الخروج من الأزمة الكبرى، هل بإمكانه وقف استفحال أزمة اجتماعية – عالمية أكبر منها؟. أسئلة كثيرة، يبدو أن صناعي القرار البريطاني وضعوها في الملفات المؤجلة، رغم معرفتهم – بلاشك – بأن تأجيلها يعني استفحالها!. وهذا أمر ليس من "شيم" دول ترغب في التمسك بتوصيفها التاريخي، كدول كبرى، علماً بأن آثار الحماقة التي تركتها إدارة جورج بوش الابن على بلادها بهذا الصدد، لا تزال ماثلة أمامنا. فقد كانت وصمة عار، ولم تكن خطأً سياسياً – اقتصادياً.

إن تراجع المساعدات البريطانية، بالإضافة إلى فشل الدول الكبرى الالتزام بتعهداتها ضمن نطاق الأمم المتحدة، ستوفر عجزاً يصل إلى 12 مليار دولار أميركي مع نهاية العام 2010، بين المساعدات " الموعودة" والفعلية!، في الوقت الذي تواجه فيه مشروعات التنمية في الدول النامية (التعليمية والصحية والبيئية والإعمارية.. إلى آخره)، مصائب جمة، بل أن بعضها توقف بسبب شح الموارد. ماذا كانت النتيجة الأولى لهذا التردي؟ ارتفاع مستوى الفقر وعدد الفقراء في هذا العالم، وانضمام أعداد كبيرة من الجياع إلى أعدادها الهائلة. لا توجد أعذار لتخفيض المساعدات. فالأعذار تخص العاجزين فقط. وعلينا أن نعرف، أن خفض 1,5 مليار أميركي فقط من المساعدات الممنوحة للدول النامية، يعني – حسب مفوضية الاتحاد الأوروبي - أن هذه الدول ستخسر تمويل بناء 4500 مدرسة أو 1200 مستشفى، لا صفقة طائرات ولا دبابات!. ويعني أيضاً، خسارة إنسانية، سيكلف تعويضها أضعاف هذه الأموال، مع استحالة تعويض الكرامة، وصعوبة استعادة الهالة، التي تمتعت بها الدول الكبرى على مدى عقود طويلة من الزمن.